مقالات وتقارير فنية

حمزة العيلي: من مسكر لإبن حزم

كتب: فارس البحيري

هو فنان إستطاع أن يحجز لنفسه مكاناً مرموقاً في قلوب جمهوره و محبيه في مصر والوطن العربي ، فهو فنان صاحب صوت مميز و يحمل ملامح مصرية خالصة ، أعطاه الله قلب نادر ، فهو صديق مخلص و زميل عطوف و فنان و إنه قادر على إغراقك في تفاصيل أي شخصية يمثلها يهتم و يعشق أتدق التفاصيل حول كل عمل يشترك به لذلك عندما نقول إنه قادم بقوة الحب لم نكن نبالغ لأنه يحتل بقوة الحب مكان متميزاً و خاص جداً في قلوبنا جميعاً إنه الفنان ( حمزة العيلي ) .


عديدة هى مصادر الممثل التجربة الحياتية و الخبرة الثقافية و الخيال و الذاكرة و الرصد والملاحظة ، كل ممثل يحتاج إلى هذه المصادر أو يبحث عن مصدره الخاص لأن ذلك يعزز طريقته فى الأداء و يثرى تجربته و يساهم فى تطوير إمكانياته وأدواته التعبيرية ، يتعين على الممثلين أن يعرضوا أنفسهم لما يحيط بهم و أن يخلقوا نوعاً من الإتصال و يحتفظوا بأذهانهم مفتوحة لتلقى كل ما يحدث فى هذا المحيط عاجلاً أم أجلاً سوف تنسل فكرة إلى رأسك شعور أو مفتاح أو ربما حادثة هذه الأمور ستفيد الممثل فيما بعد و يستطيع أن يربطها بالمشهد عند التنفيذ الممثل لا يستطيع أن يعزل نفسه عن المحيط إنه يتأثر و يتفاعل مع ما يراه و ما يحدث و ما يزخر به الواقع من نماذج و عادات وسلوكيات وردود الفعل التى عادة تكون عفوية وسريعة عند الفرد لكنها عند الممثل تصبح مدروسة و خاضعة للتحليل و ذلك بالتركيز عليها و تمديدها و منحها خاصية إستثنائية .

من خلال العرض المسرحي (عن العشاق ) يطل علينا الممثل المبدع المتميز الإستثنائ حمزة العيلي من خلال هذا العرض شديد التميز و الإبداع في شخصية إبن حزم الأندلسي
العرض من إنتاج قطاع الإنتاج الثقافي مركز “الهناجر” للفنون
بالتعاون مع صندوق التنمية الثقافية واستوديو مسرح مركز الإبداع الفني.

عن العشـاق ABOUT LOVERS
عن كتاب “طوق الحمامة في الألفة و الألاف” لإبن حزم الأندلسي ، مع مختارات من أغنيات كوكب الشرق أم كلثوم و إرتجالات حرة لعازفي فرقة بيت العود العربي ، فكرة و إخراج المبدع هاني عفيفي ، دراماتورج الرائع كريم عرفة ، الملابس والاكسسوار أيمن الزرقاني ، رقص مسرحي هاني حسن ، بطولة النجم حمزة العيلي
في دور “إبن حزم الأندلسي”
و الموهوبة أميرة عبدالرحمن و المتميز أحمد زكريا و الرقيقة الرائعة سارة هريدي ، تمثيل وعزف وغناء ماهر محمود إسماعيل ، رقص مسرحي آداء متميز ل إيمان لطفي ، غناء الصوت الواعد نجوى حمدي

العازفون المبدعون فادي عادل “عود” ، شريف صبحي “عود”
محمد صلاح “تشيللو” ، ضياء الدين حسن “قانون” ، تنفيذ الملابس ورشة أزياء دار الأوبرا المصرية ، تصميم الدعاية أيمن الزرقاني ، ماكياج إسلام عباس ، مساعدا المخرج سمية أبو العز و كريم عرفة ، إداريا مركز الإبداع الفني علا فهمي – أشرف كمال
مشرف إنتاج مركز الهناجر ، للفنون أشجان علي
، شئون مالية وإدارية غادة محمود ، علاقات عامة عمرو سليمان ، مدير قصر الأمير طاز د/ جمال مصطفى ، التنسيق و المتابعة من القصر أحمد عربي

مدير عام مركز الهناجر للفنون الفنان القدير محمد دسوقي
رئيس قطاع صندوق التنمية الثقافية د/ فتحي عبدالوهاب
رئيس قطاع الإنتاج الثقافي المخرج الكبير خالد جلال

من خلال العرض المسرحي الممتع (عَنِ العُشـــاق) ومن أول ظهور له حمزة العيل يجعلك تدخل إلي هذا العالم الساحر تغوص مع شخصياته في الماضي البعيد و قد نجح في ذلك ببراعة شديدة من أول ظهوره تمكن حمزة العيلي في ذلك بكل إقتدار ووعي تام لما يقدمه ، خصوصاً مع هذه الشخصية شديدة الثراء الثقافي ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هذا الممثل البارع الإستثنائي لا يكف عن تأمل الآخرين دراستهم تحليلهم ومحاكاة حركاتهم و أصواتهم إذا إقتضى الأمر ذلك لأن حمزة العيلي يستمد مصادره غالباً من مراقبة الآخرين في أماكن تواجدهم و هو يرصد فى المقام الأول, إيقاعهم الخاص.. لكل فرد إيقاعه المميز ليس هناك تشابه بين إيقاعين فمثلاً شخصية “مسك” في مسلسل إبن حلال أمام النجم محمد رمضان و لذمة الشخصية و طريقة تحدثها و حركاته مختلفة تمام عن شخصية الشرير خفيف الظل في مسلسل “إبن أصول” أمام الفنان حمادة هلال و كذلك متخلفة عن شخصيته في مسلسل “قمر هادي” أمام النجم هاني سلامة كإختلافها الكلي عن شخصية رجل الدين المتزمت أمام الزعيم عادل إمام و أيضاً دوره المتزمت و المختلف عن ما قبله والمتميز في فيلم “إكس لارج” أمام النجم أحمد حلمي و غيرها من الأعمال الفنية الناجحة أمثال دوره مسلسل “الحرباية” أمام النجمة هيفاء وهبي ، و فيلم “يوم وليلة” أمام النجم العالمي خالد النبوي و أيضاً مسلسل “٧ أروح” أمام النبوي أيضاً ، وهكذا ينتقل تدريجياً من شخصية إلى أخرى بشكل متصاعد إلي أن وصل إلى قمة الإبداع الغير مسبوق .

هكذا يجب أن يكون الممثل و على الممثل أن يجد أولاً الإيقاع الخاص للشخصية التى يخلقها و أفضل وسيلة هى متابعة الشخص عبر الشارع إلتقاط طريقة مشيته محاكاتها فيما تفعل ذلك لاحظ ما يحدث لك بالتركيز على إيقاعهم الشخصى ستجد إنك قد أصبحت شخصاً مختلفاً و هذا حرفياً ما فعله “حمزة العيلي” في شخصية مسكر على سبيل المثال لا الحصر ، لذلك الذاكرة من أهم أدوات الممثل و الذاكرة من المصادر الأساسية و كل ممثل يمتلك مخزوناً يستخرج منه ما يحتاجه إنه يرصد الأخر بإمعان ثم يحتفظ بهذه الكينونة الأخرى فى ذاكرته و عندما تسنح الفرصة لإستثمارها أو الإستفادة منها فإنه يستحضرها و يسبرها محللاً كل مظاهرها و
أفعالها و حركاتها ، شيئاً فشيئاً تأخذ الشخصية فى الإمتلاء ،
ملاحظة الأخر ليست غايتها المحاكاة فقط و إنما هى وسيلة لحث وتحفيز المخيلة ، المحاكاة تحقق التصوير المقنع لسمات الشخصية وتؤكد على ما هو خارجى و ليس ما هو باطني فقط فالممثل لا يستطيع أن يعبر عن مشاعره و عواطفه عن طريق محاكاة مشاعر و عواطف شخص أخر ، ذلك لأنها جزء من ذاته من تكوينه وطبيعته.

الدراسة مهمة للعمل لأن بإمكانها أن تفهم التقنيات الضرورية و أن تطلق الإمكانية الخلاقة بداخله إن كانت موجودة ، لكنها لا تمنحه الموهبة الدراسة لا تعلمه كيف يشعر و كيف يستخدم مخيلته و كيف يسير لأشعور إنها أشياء يمكن إكتسابها من الحياة، من التجربة، من التفاعل مع العناصر المحيطة..

لكل ممثل طريقته في التحضير للدور و إعداد نفسه لتجسيد الشخصية ، ثمة ممثلون لا يكتفون بقبول الدور المرسوم كما هو في النص بل يحللون الشخصية و يحاولون إكتشاف منبعها، خلفيتها ثقافتها إسلوب حياتها، رغباتها مخاوفها دوافعها ماضيها ، حياتها العائلية ، نوعية الملابس التى ترتديها ، الأشياء التى تقتنيها ، الأماكن التى ترتادها ، حركاتها المميزة ، طريقتها فى الكلام وجهة نظرها فى أمور عديدة حتى وإن لم يكن هذا متضمناً فى النص أو إنه مطروح عبر إيحاءات وإشارات عرضية، إن حمزة العيلي يقوم بإجراء بحوث فى طبيعة وسلوك وعلاقات الشخصية ، عندما يتطلب الدور أن يؤدى هذا الممثل شخصية تاريخية مثلا ، مثل شخصية إبن حزم الأندلسي فيتعين عليه إن يتعرف على تلك المرحلة من خلال القراءة و يمتلك معلومات عامة عن البنى الإجتماعية و السياسية و الثقافية و العسكرية و أن يدرس العادات و الطباع و الملابس أن يحلل الصراعات و العلاقات السائدة آنذاك ، وفى كل الأحوال لأبد أن يثرى المعرفة بتشغيل المخيلة ، فالمعرفة وحدها لا تكفى.،

التحول عند حمزة العيلي هو خاصية أساسية للتمثيل إنه إنسلاخ عن الذات و تقمص للأخر “الشخصية” هذا الممثل يتقمص الشخصية بكل سماتها و خصائصها و مميزاتها بحيث يمحو ذاتيته تقريباً ، أى لا يكشف ذاته إنما يجسد الشخصية أو يختفى ويتوارى داخلها ، “حمزة العيلي” يلتحم بالشخصية فى مستوى سيكولوجى عميق غير إننا نعي حضوره و نشعر بأن هذا الحضور يضاعف ويحدد فهمنا للشخصية.

حمزة العيلي يسعى إلى التماهى و التطابق مع الدور حتى و إن كان متعارضاً مع ذاته الحقيقة مثل شخصية إبن حزم الأندلسي إنه يكيف ذاته و يلج الدور ليقطن فى الشخصية و أثناء ذلك يقوم بتحويل نفسه ليس جسمانياً كمظهر و إنتحال حركى و صوتى فحسب بل أيضاً ذهنياً وروحياً بحيث يبدو مختلفاً تماماً عن ذي قبل ، عند ممثل من نوع حمزة العيلي ، يبلغ التحول مداه… خارجياً جسمانياً وداخلياً روحياً إذ يمتزج بالشخصية حتى يصبح هو الشخصية و هو يمتلك طريقة فريدة فى الإعداد و التحضير و الغوص فى أعماق الشخصية و النتائج التي يتوصل إليها غالباً ما تكون مدهشة و مثيرة وصادقة ، لكن التحول ليس عملية سهلة و سريعة فهذا الممثل لا يملك أداة سحرية يمكن بواسطتها تغيير الشخصيات متى و كيف يشاء فالتحول أو تقمص ذوات أخرى ليس حالة طبيعية بالنسبة “للعيلي” و لهذا السبب لا ينبغى للممثل أن يملك روحاً بل يجب أن يكون قادراً على إنتحال هويات مختلفة إن إمتلاكه أفكاراً ومشاعر ثابتة ودائمة قد تعوق عملية الإنتحال .

التحول ؟ وما يقتضيه من إنسلاخ وتقمص ألا يثير بالضرورة تساؤلا بهذه المهمة دون أن يترك ذلك أثراً في سلوكه و دون أن يحرك شيئا فى

نفسيته ؟
من المؤكد أن هذا الممثل يملك القدرة على الإنفعال مع كل شخصية يوم بها أيضاً يتأثر بها إذا كانت معايشته للدور عميقة و استحواذية عندئذ قد يتعرض لحالة من الازدواجية الواعية بسبب هيمنة الشخصية و استبداديتها يقول حمزة العيلي حول هذا الأمر في نهاية كل يوم عند تصوير عمل ما أحس بالشىء ذاته إنهاك تام إستنزاف… ذلك لأننى أصبح طوال فترة تصوير الفيلم أو المسلسل ذلك الشخص الذى يتعين على أن أجسده ، إننى أتحول إلى تلك الشخصية ذاتها المستبدة التى تنبض بالحياة في داخلي سواء عندما أواجه الكاميرا أو أبتعد عنها ، إنك فى هذه الحالة تفقد القدرة على ممارسة الأشياء التى كنت تمارسها بشكل طبيعى فى حياتك العادية ، تكون أشبه بالمشلول عاجزاً عن فعل أى شىء أخر لقد وهبت نفسك لذلك الكائن الذى تمثله والذى إحتل عقلك وجسدك.

و هناك ممثلون يجسدون الشخصية بطريقة مباشرة و غير معقدة ، و مع ذلك نحس بالصدق فى أدائهم و يظهرون قدرة عالية على فهم الشخصية و توصلها ببراعة و إقناع وأخرون يعايشون الأدوار لكن دون القيام بتحريات أو عملية إستقصاء سيكولوجى بشان الشخصيات بل يعتمدون على الخبرة و الحدس والغريزة.. بالتأكيد ، العملية تقتضى وعياً فنياً ومعرفة ثقافية ، و سيكولوجية و مقدرة إستثنائية لدى الممثل فالشخصيات التى يتعين على الممثل أن يجسدها ينبغى معرفة خلفيتها الإجتماعية و التاريخية ودوافعها، و المحركات أو المكونات التى تجعلها تفكر أو تشعر أو تتصرف بطريقة معينة ، أيضاً فى درجة الحساسية تجاه الشخصية خاصة ، و التمثيل عامة ، كذلك القدرة على الابتكار ، الإعتماد على المخيلة و توظيفها بشكل دائم, السعى المستمر لتطوير الأدوات والإمكانيات.

حمزة العيلي نموذج للممثل الخلاق الذى لا يستقر عند سطح الأشياء بل يغوص فى أعماق الشخصية مستثمراً جسده الرياضي القوي و مخيلته و ذاكرته لإطفاء خاصية إبداعية مدهشة على الدور هذا يكشف مدى أهمية الخيال إلى جانب الفهم العميق لمستويات الشخصية إنه لا يحاول توصيل الطبيعة المادية للشخصية فقط إنما الطبيعة الروحية أيضاً ، إنه لا يسطح الشخصية بل يعمقها ويؤكد على تعددية أبعادها و من هنا ينبع التنوع المدهش و الصدق في تجسيد الشخصيات.

الممثل الخلاق يشعر برغبة فى تحقيق إتصال مباشر و حقيقى مع الجمهور و هذا الاتصال يتأسس فى المقام الأول على قدرة الممثل على إدهاش و مفاجأة الجمهور و هذه الخاصية لا تتحقق إلا إذا إستطاع الممثل أن يدهش و يفاجئ نفسه أولاً ،
الممثل الخلاق لا يحجم عن الأدوار الصعبة والمركبة و العنيفة حتى و إن إقتضت جهداً وعناية ووقتاً، إنه يوجد لنفسه لغة .

أخبار Google - الفن اليوم - جديد الفن اليوم

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى